فقاعة الحدادية ، وظاهرة التهجين .
حين يوضع مصير الأمة الإسلامية قيد التساؤل التاريخي ، فلابد من تضافر
الجهود ، واتحاد الأقلام الشريفة لبيان حال الصالح ، وتوضيح حال الذي انحرفوا عن
الجادة والصواب .
وقد ظهرت عدة فرق خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين ، وبدايات
القرن الحادي والعشرين الميلادي تعتنق أفكارا ومباديء تعمل على هدم منهج أهل السنة
والجماعة ، تتفق جميعها على مبدأ واحد وهو : ( تحطيم القدوات ، والوقوع في الرموز
الإسلامية ) وهو امتداد للفكر الخارجي ، واستلهاما من الفكر الرافضي ، وجريا على
ما كانت عليه المبتدعة قديما حيث وجدوا أن أقصر الطرق لهدم الدين هو هدم حملة
مشعله ، والمأتمنين عليه ، ونقلته ، وشهود الله تعالى في أرضه .
واختصارا نقول :
أن فرقة الحدادية الجدد التي طفت على السطح ، وطفحت مقالاتها في جوانب
مواقع التواصل هي من تلك الفرق الشاذة فكريا والتي تنحو منحى خارجيا عتيقا في
العقيدة ، كما تستلهم كغيرها من فرق الضلال مبدأ تحطيم الرموز .
ظهرت الحدادية قديما على يد محمود الحداد المصري الذي اتسم بالعنف
الفكري والعقدي ، واعتمد على أفكاره هو في التصنيف والتقييم بعدما نال قسطا وافرا
من شحنات التكفير والتفسيق على يد المداخلة الذين لا زالوا يحاولون تتبع الأحياء
من أهل العلم ،والنيل منهم .
غير أنه غالى في التصنيف والتبديع والتكفير حتى لم يبق عالما حيا أو
ميتا إلا ونال منه في مجزرة علمية ، ومذبحة تاريخية
!!
ولكن ما لبثت فتنته أن انتهت سريعا – بحمد الله – بعد تدخل أهل العلم
الذين أبانوا عن سوء فعله ومعتقده ، وحذروا الجميع منه .
غير أن الفرقة عادت للظهور تارة أخرى بشكل لافت للنظر خلال السنوات
الثلاث الأخيرة ، وطفحت بأفكارهم وكتبهم مواقع التواصل ، واستهوت فكرة التصنيف
والتبديع والتكفير نفوسا مريضة ، أو نشئا صغيرا يجهل أبسط قواعد الإسلام !!
والوجه الإعلامي الذي اختاره الحدادية الجدد هو ( محمد السليمان ) الذي
عرَّف نفسه إعلاميا ب ( محمد شمس الدين ) وهو مواطن سوري تحوم حوله عدة شبهات ،
كما أنه يتسم بالتناقض الشديد ، وعُرف عنه خلال ظهوره الإعلامي عدة سقطات مدوية ،
وفضائح مخزية .
**ولد السليمان ( شمس الدين ) بسورية بمدينة (
دير الزور ) وكان عضوا بنادي شبيبة دير الزور التابع لحزب البعث العربي الاشتراكي
، والذي يترأسه ( بشار الأسد ) نجل حافظ الأسد النصيريين ، وهما من قاما بمذابح
لأهل السنة خلال اعتلائهما لسدة الجكم بسورية ، خاصة في سنوات الثورة التي بدأت
منذ 2011 .
كما عرف عن عائلة السليمان ، وأصهارهم من عائلة الصياح والنجرس
الانتماء الكامل إلى الشبيحة ، والتأييد لبشار الأسد وحزبه ، وتحوم حول العائلة
عدة شبهات في اشتراكهم مع الحزب في إيذاء السنة هناك .
**واعترف السليمان في إحدى فيديوهاته مدافعا عن
إحدى صوره المنتشرة عبر الشبكة العنكبوتية أنه خلال عامي 2011 و 2012 كان يتنقل
بمنتهى الحرية بين المدن السورية ، فقطع مسافة ستمائة كيلو متر من دير الزور حتى (
السويداء ) معقل الدروز مكررا الزيارة مرات ومرات ، وذلك في الوقت الذي كانت كمائن
النصيرية والشبيحة تفتش بالمنقاش عن سني معارض للنظام ، والسؤال :
كيف تسنى له التنقل بأريحية وحرية وسط هذه الكمائن ، وخلال فترة اشتداد
المجازر والمذابح ؟!!
انتقل السليمان عبر عدة أفكار فقد انتمى لجبهة النصرة ، ودافع عن
الدواعس ، كما تنقل عبر عدة بلاد حتى وصل إلى ألمانيا وهنا بدأت في الظهور كمدافع
عن أهل السنة ، وأحد من تولوا الردود على الأشاعرة والمبتدعة – بحسب التعريف
المنتشر في مواقع الشبكة العنكبوتية - ، وخلال هذه الفترة استطاع أن يكسب ثقة
الدعاة والعلماء من أهل السنة بما كان يقدمه من مادة من وراء الشاشات ، كما استطاع
استمالة البعض من الشباب ، والحصول على مساعدات مالية لتكوين ( ستديو ) لينشر فكره .
غير أنه انقلب على أهل السنة ومنهجهم بعد مواقف مشهودة ومعترف بها من
خلاله أو بشهادة غيره .
فانتقاله إلى ألمانيا جعله متحفظا في إطلاق لقب السلفي على نفسه ،
والتنصل من سلفيته التي كان يفاخر بها جدا ، خاصة وأن ألمانيا تصنف السلفية إرهابا
فكريا وعقديا وتتبع المنتمين لها ، وتغلق مساجدهم
.
وبعد نشر إحدى حلقاته عن تكفير اليهود والنصارى نشر موقع صهيوني حلقاته
، فقام بإخفائها من كل مواقعه تماما ، ليرضي بذلك الأطراف التي هاجمته خاصة
الألمان والمواقع الصهيونية .
ثم كان اللقاء بالخليفي الذي قام بتهجينه وتدجينه وتمويله بالكتب
والأموال ، وأقنعه بأفكاره الشاذة التي استقاها من مناهج المبتدعة والغلاة .
فكان التحول الذي بمقتضاه ظهرت فكرة التهجين ، ليهجن الخليفي السليمان
( محمد شمس الدين ) ليقوم بنشر أفكار سامة تذهب بالمتبعها إلى أبعد نقطة في
التكفير ، ولتظهر الحدادية المهجنة ظهورا إعلاميا على يد السليمان ( شمس الدين ) .
ومما تتصف به هذه الفرقة
:
1-الضحالة العلمية ، والافتقار إلى أبسط المباديء
العقدية والفقهية ، ليصل الأمر إلى حد الخطأ في آيات قرآنية قصيرة يجيدها حتى غير
المسلمين ، كما وقع السليمان ( شمس الدين ) في أخطاء لغوية فاحشة ، وأخطاء إملائية
فادحة لا يخطئها صبي الكتاب ابن ثلاثة أيام في التعليم .
2-ورغم هذه الضحالة العلمية إلا أن الحدادية
المهجنة نصبت نفسها حاكما على علماء الأمة لتحيي فكر الحدادي القديم ، ومن قبله
فكر جماعات التكفير ، ومن قبلهما الفكر الخارجي القديم مما دعا أهل السنة لتلقيبهم
بالحراقيص !!
3-ويحاول محمد السليمان ( شمس الدين ) تقديم نفسه
على أنه المجدد للدين وذلك عبر
:
أ-الطعن في أئمة الإسلام كأبي حنيفة والنووي وابن حجر وتكفير السيوطي
عينا ، وهم من اتفق أهل السنة على إمامتهم جميعا ، وتبدو حججه في تكفيرهم أوهى من
بيت العنكبوت .
ب-إرسال الاتهامات جزاف على أهل السنة ووصفهم بالمميعة والمدجنة ، وخدم
الأشاعرة مما يستهوي المراهقين وخفيفي العقول
.
ج-كتابة بعض الرسائل بلغة ركيكة وأسلوب رخيص يعتمد على النسخ واللصق ،
والسرقة العلمية لأبحاث الغير .
د-الظهور في مناظرات مع الشيعة والأشاعرة والمفوضة ، وهي مناظرات تم
دعسه فيها ، وأخطأ فيها أخطاء أقل ما توصف بأنها فاحشة للغاية ، بلغت في فحشها ما
لا يمكن أن ينحدر إله عالم من العلماء
.
ه-الهجوم على كل من يحاول تصحيح المفاهيم له ، أو الرد عليه ، أو دعوته
للحوار ، ووصفه بأبشع الأوصاف الأخلاقية والعلمية والاجتماعية ، والتحريض عليه ،
وتسليط الغلمان السفهاء عليه ليشغل الرادين عليه بهم فتخف وطأة الضغط عليه .
4-استطاع السليمان ( محمد شمس الدين ) تجنيد بعض
المراهقين والأطفال الذين جعلهم مخلب قط ، وأغرقهم بالشبهات ، فضلا عن كونهم لم
يتلقوا قسطا – ولو بسيطا – من العلم على يد عالم أو شيخ ، بل كلهم عار من العلم
والمشايخ ، مجيد للسب والطعن فقط
.
5-كما كون تنظيما هرميا له مسؤولون ، ولكل جماعة
في التنظيم تخصص ما بين كتائب إلكترونية للهجوم على قنوات أهل السنة بالإبلاغات ،
وما بين معلقين على مقاطعه ، وآخرون يتولون الردود الجاهزة مسبقا ، أو التشنيع على
الدعاة والعلماء ، ليثبت أن الحدادية المهجنة على درب المبتدعة قديما في تحطيم
الرموز وشهود الله في أرضه .
6-يتصف الحدادية المهجنة بصفة عجيبة يوافقون فيها
قرن الخوارج الأول ، وهو أنهم سلم لليهود والنصارى ( حتى خلال الهجوم على غزة
وسورية والمذابح التي أودت بحياة الموحدين هناك ) فلا يتحدثون عنهم بسوء هم وكثير
من الروافض ، ويتلطفون لهم في القول والحكم ، بينما يبثون الكراهية ضد أهل السنة
والجماعة بشكل واضح ، فلا تجد ردودهم ولا سهامهم موجهة إلا نحو نحور السنة وصدورهم
، وهي سهام مسمومة ملوثة بالكراهية والبغض واستحلال الأعراض والتكفير دون توافر
شرط أو انتفاء مانع ، مع الهجوم هلى كل من حمل راية الجهاد ضد اليهود والنصارى مع
التزام الصمت أمام جرائم اليهود والنصيرية ، وهو ما ينذر بفتنة كبرى داخل الصف
الإسلامي الذي يعاني من التمزق ، فجاء هؤلاء ليزيدوا من حدته ورقعته .
بقي في النهاية أن نحذر من أن الحدادية المهجنة ، ومدجن الأمان خاصة ،
لهم توجه قوي في تكزيق النسيج الاجتماعي المسلم في مجتمعاتنا من خلال إصدار فتاوى
التكفير للآباء والأمهات ، والأزواج ، مما ينذر بخطر داهم ، وجرت واقعة مشهورة في
تهرب إحدى الفتيات !!
إن على علماء الأمة أن يكونوا يدا واحدة وصفا واحدا تجاه هؤلاء
الحدادية المهجنة خاصة وأنهم يتسمون بخبث شديد ويعملون في عدة اتجاهات وفي أكثر من
محور ، فاستيقظوا يا علماء الأمة قبل فوات الأوان
.
بقلم فضيلة
الشيخ الباحث والمؤرخ حامد الطاهر